أفكر، لو كنا نتبضع ملامحنا وأجناسنا من المتاجر وأتيح لنا الاختيار، هل كنت سأختار أن أكون امرأة؟

سأمرّ على ركن المتجر الأول، إن كوني أنثى في هذا الركن قد يعني أن والديّ لا يرغبان بوجودي، وقد أكون سبباً لزواج والدي بأخرى، أما إن حظيت بوالدين عطوفين فسأجتاز الركن الأول بسلام.

في الركن الثاني سأرتدي الكثير من الألوان وتبدأ أسرتي احتفالها بخطواتي الأولى، هذه المرة سأسمع أمي تتنهد بحزن مخبرة أنني لن أحظى بقسطٍ من الجمال، ستواسيها الجارة مخبرة إياها بأن الفتيات حين يكبرن “يكشف لونهنّ” ويصبحن أقل سمرةً.

في الركن الثالث سألعب، ربما هذه أكثر مراحل حياتي تحرراً من القيود، لكنني قد أُنسى في الشارع لساعات طويلة أو يرسلونني إلى دكان قريب، وهناك سيتجرّأ “عمو” ما ويمد يده إلى جسدي بطريقة أستهجنها وترعبني، سواء أخبرت والدتي أم لا نتيجة الأمر واحدة لأننا يجب أن نسكت دائماً خوفاً من الفضيحة، في الركن الثالث سأعرف كلمة فضيحة للمرة الأولى.

في الركن الرابع قد أكون محظوظة وأذهب إلى المدرسة، أو ربما تقرر عائلتي بقائي في المنزل إذ لا جدوى من التعليم للفتيات، حينها سأعلم بوجود عالمين: عالم يستطيع في الأطفال الذهاب للمدرسة، وعالم آخر يدفن الفتيات.

في الركن الخامس سيبدأ ثدياي بالظهور، أخجل منهما وأحاول إخفاءهما بالقمصان الواسعة، لكنني لن أستطيع إخفاء دماء دورتي الأولى خاصة أنني لم أكن أعرف عنها شيئاً حتى وقوعها، سيكون على أن أتجنب اللعب خارجاً، أن أقاطع أصدقائي الصبيان، وأن أقاطع فساتين طفولتي وقمصاني قصيرة الأكمام وأن أراقبها بحرقة تُوزَّع على فتيات العائلة الصغيرات، ضامرةً في قلبي راحة مصدرها أنهن سيكبرن يوماً ويودعن فساتينهن كما فعلت أنا، وسيبكين كذلك بحرقة.

في الركن السادس سأحبّ للمرة الأولى وسأعرف كيف تعصر المرأة قلبها ليتعطر به رجلٌ ما، ستخرج النشوة من مسام جسدي كاملاً، ولأن أمي أدرى بشؤون النساء ستتعرف هذه النشوة وتحاول أن تقتلها.. أنقم على أمي بادئ الأمر، لكنني سأفهمها تماماً حين يكسر والدي باب غرفتي والشرر يتطاير من عينيه، وستبقى علامات حزامه سنوات على جسدي قبل أن تزول، أما على قلبي فستبقى علاماته إلى الأبد.

في بقية الأركان كان عليّ أن أقنن خياراتي الجامعية، وأن أبذل جهداً مضاعفاً لأثبت أن النساء ناجحات، وكان فشل إحدانا يعني بالضرورة أن جنساً بأكمله قد فشل، سوء أخلاق أخي ومن بعده زوجي كانت كلها نزوات وطيش شباب حتى عند بلوغهم الستين، أما أنا فكان عليّ أن أعلن زهدي وترفعي وأن أختار كوني عجوزاً وأنا في العشرين.

الركن الأخير كان خالياً إلا من مرآة، لمستُ جسدي كاملاً وأدركت كم أحبه، كم أحب تكوّر بطون الأمهات الحوامل وكم أقدّس آلامهنّ ساعة الولادة، أحبّ أن يكون جسدي كاملاً بحوزتي وألّا تمتدّ إليه شفرات العجائز ليقطعن بهجته، وألا أساق إلى قاعات الأطباء ليوقعوا لي وثائق شرف..

راقبت ابتسامتي التي تخرج دون إذنٍ مني غير آبهة بالتحذيرات التي تحرّم تبسّمنا في وجه الغرباء، ابتساماتنا التي تظلّ تتفتح في وجوه النساء المهجورات وهنّ يبعن العلكة والمناديل على قارعات الطريق.
لو أتيح لي الاختيار وأن أعيد تشكيل حياتي بالشكل الذي أريد، لاخترت أن أكون امرأة
وبالهيئة التي كنت عليها دائماً، أريد أن أحتفظ بصور الفتيات وهنّ يضعن أحمر الشفاه خلسة كي لا يكشف أمرهنّ، وأولئك اللواتي لا يفضّلن الكحل ولا يضعن المساحين فلا ينقص ذلك من اكتمال أنوثتهن، أريد أن أبقي على خيبة الحب الأول، وبهجة صديقتي حين علمت بحملها، أريد أن أقول أنني لا أرغب بالإنجاب لكنني أمجد الأمهات، وأكره استيقاظي باكراً لكنني أحب مقعدي المجاور للسائق في السرفيس، وأعلم لماذا خان أمي عمودُها الفقري بعد أن حملت العالم كاملاً على ظهرها طوال خمسين عاماً، أحبّ خجل المراهقات وهنّ يخبّئن البثور على وجوههن، وجارتنا الأرملة التي تشتري خبزاً لأولادها وتبقي نفسها جائعةً لتشتري دخاناً.
لو أتيح لي الاختيار كنت سأبقي كل شيءٍ على حاله، إلا واحداً فقط:
كنت سأطلب أن يكون صوتي أعلى لأدافع عن المزيد من النساء.

دوّنته: بتول جنيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *