قال محمد الماغوط:
من الغباء أن أدافع عن وطن لا أملك فيه بيتاً.
من الغباء أن أضحي بنفسي ليعيش أطفالي من بعدي مشردين…
من الغباء أن تثكل أمي بفقدي وهي لا تعلم لماذا مت…
من العار أن أترك زوجتي فريسة للكلاب من بعدي…
الوطن حيث تتوفر لي مقومات ألحياة، لا مسببات الموت…
والانتماء كذبة اخترعها الساسة وأصحاب السلطة واللصوص لنموت من أجلهم…
لا أؤمن بالموت من أجل الوطن…
الوطن لا يخسر أبداً، نحن الخاسرون…
عندما يبتلى الوطن بالحرب ينادون الفقراء ليدافعوا عنه…
وعندما تنتهي الحرب ينادون الآغنياء ليتقاسموا الغنائم…
عليك أن تفهم أن في وطني تمتليء صدور الأبطال بالرصاص وتمتليء بطون الخونة بالأموال…
ويموت من لا يستحق الموت على يد من لا يستحقّ الحياة…

سألني صديقي المغترب وأنين الشوق يخالط حروفه:
كيف هي دمشق ؟

صمتُّ لبرهة، واستجمعت كلماتي وأنا جالس على الشرفة:
دمشق ياصديقي صارت عاصمة التناقضات الصارخة، التناقضات التي باتت العقول عاجزة عن فهمها…
طوابير على الخبز وازدحام في المطاعم…
معرض للبترول والغاز وفاقة في المحروقات والغاز…
سيارات فخمة تجول في شوارع الأثرياء وميكرويات عتيقة تنفث الدخان الأسود في أزقّة الفقراء…
شاليهات للسياحة تُدشّن ورواتب شهرية لاتساوي أجرة النقل إليها…
أرصفة كانت تكسوها الأشجار فصارت موطئ النراجيل وطاولات المطاعم…
محلات الموسيقى التي كنا نشتري منها كاسيتات كليدرمان وموزارت وبول موريا صارت تبيع سيديات الهوارة والطبلة والمزمار…

يا صديقي، نحنُ لم نعُدْ نحنْ

كنا يا صديقي نعيش من أجل الروح واليوم نعيش من أجل البريستيج!!؟؟ نتنافس بالذهاب إلى أغلى المطاعم ونتفاخر بالفاتورة الأعلى.

كنا يا صديقي نتفاخر باقتناء الكتب ونتناقش بمحتواها واليوم يا صديقي نتفاخر بالموبايل وكاميرته ومواصفاته وثمنه.

كنا يا صديقي نتفاخر بالرياضة وصعود الروابي وسريّ الليالي المقمرة في الجرود واليوم نتفاخر بنوع المعسل والسيجارة الالكترونية وثمن الأركيلة.

كنا يا صديقي نحب بإخلاص ونعمل بإتقان ونحترم بتقديرٍ وندرس بنهمٍ، فصرنا عبيد المال لا نعرف موضعاً للحب والاحترام والعلم.

ليتك لم تسألني يا صديقي…

دوّنته: بيسان أبو خالد

تصميم: smart step

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *