_ صديقي الذي يتبنّى النسوية والليبرالية النسوية في تجمّعات المقاهي ومقابلات العمل واللقاءات التي يكون فيها نساءٌ ورجال، هو نفسه الذي لا يتوانى عن التصفير خلف امرأة مرّت، مأخوذاً بجسدها ومشيتها، وأمام المرآة، يتحدّث عنها كوسيلة يمكن في يومٍ من الأيام أن توصله إلى نشوته، ذلك يكون في الليل، ولكن حين يرجع الصبح من جديد، أتعجب من استشهاده بكتب مثل: الجنس الآخر، والغموض الأنثوي، كي يؤكّد لزميلته في العمل أنّ دورها مهم وفعال.
تلك هي الازدواجية، مرض البشرية الفتّاك.

_ يرتبط تشييئ المرأة عند صديقي، ونظرته المزدوجة إليها، التي يمكن القول عنها: متدنيّة، بوعيٍ جمعيٍّ عالمي نشأ منذ نشأة المجتمعات البطريركية أو الذكورية أو الأبوية، Patriarchy، والجذر: pat, أي أب.
وهو لا يعرف أنه قبل ذلك، قد أخبرنا التاريخ، عن وجود مجتمعات أمومية، Matriarchy، كانت النساء فيها تقود وتسود. ولا يعرف أنه في تلك المجتمعات لم تحدث حروب استيطانية أو استعمارية، وأنّ بعضها ما يزال قائماً في الصين وإفريقيا.

_ في إحدى المرّات، لم يستطع صديقي أن يمسك لسانه، زلّ في كلامه وقال: بالتأكيد يوجد فرق، بالتأكيد.
ونصحته أن يقرأ: بنو الإنسان لبيتر فارب، والعاقل ليوفال نوح هراري، وأن يرجع قليلاً إلى عصور ما قبل التاريخ، فهو يهتم بالأنثروبولجيا، ولكن ليس غريباً أنه لا يعرف أنّ الإنسان القديم كان يعبد المرأة، وأنتج ما يُسمّى بعبادة الربة الأم.

_ آخر مرة، كان صديقي قد قرأ “الجنس الآخر” لسيمون دو بوفوار، كاملاً، للمرة الأولى. وكان يحدّث زميلة عمل ثانية له، ويقول: المرء لا يولد امرأة، بل يصبح امرأة. وحدّثها عن تشييئ المرأة ونكران عقلها ورؤيتها كجسد فقط، واستخدم في سبيل ذلك كل نظريات الفلاسفة، واحتقر نيتشه، وأيّد كانط، وأُعجِب بجون كينيدي.
كان يفكّر طوال الليل كيف يرتّب كلامه كي يذهب مع زميلته إلى السرير.

_ بعد ذلك، لم يعد صديقي، لأنني فقدت الأمل في أن يتغيّر، وآمنت، أنّ مثل هذه الأفكار، لا تزول بالنقاشات والقراءات ومحاولات الإقناع، بل بالمطرقة، والقانون، والعقاب.

دوّنه: يوسف شرقاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *