• “أنا مدمنٌ للجنس، ساعديني!” جملةٌ أرسلَها أحد أصدقائي إلى بريدي الإلكتروني من دون أي اسمٍ ودليلٍ على شخصيّته، ولكنني حاولت أن أعرفه من طريقةِ الكتابة، على الرغم من أن صورته أمام النّاس مختلفة تماماً عمّا صدّره لي عبر جملته تلك.

لا شكّ أنه سبّبَ لي صدمةً كبيرة، صدمة نفّرت مني النّوم أساساً، وأنا أفكرُ بحالهِ الواصل إلى الحدّ الذي يستنجد فيه بفتاةٍ عبر الإنترنت، ولو كانت قريبة منه، فأنا لست طبيبةً نفسيّةً، فلماذا يُقحمني في هكذا الموضوع؟

حاولتُ أن اهدأ، لأتعامل مع الموضوع كقضيّةٍ اجتماعيّةٍ، أو تفصيلٍ إنساني، أو عمل لا أخلاقي، سمّوه ما شئتم، الآن ليس وقت المصطلحات، هناك حياة كاملة تُدمَّر الآن، وقد تُدمِّر معها حيوات أُخرى.

مرّت ثلاثة أيّامٍ على حدوث الصدمة، وقرأت خلالها حول أسباب الإدمان الجنسي وعلاماته، وعن كيفية علاجه، وحول نفسيّة المدمن… إلخ، ورحتُ مرسلةً له: “مرحبا… فيني احكي معك؟ بس بدنا نحكي بصراحة”. سرعانَ ما ردّ عليَّ: “وأخيراً… موافق”.

سألتهُ ما معنى الوصف الذي أطلقه على نفسه في رسالتهِ الأولى، خصوصاً أنني قرأت على محرّك “جوجل” أنه يجب مناقشة كافة مشاعر المريض، وبالتأكيد لعبتُ هنا دور المعالجة النّفسيّة حقاً.

“أنا مدمنٌ وعاشقٌ للجنس، أقضي طوال وقتي في التفكير به، هو متعتي الوحيدة في الحياة، حياتي المخفيّة خلف العادة السّريّة والأفلام الإباحيّة”.

إذاً أنا اتكلمُ الآن مع شخصٍ مجهول الهويّة، لا يستطيع الكشف عن نفسه، بعد أن اعترف بغرامهِ لأعمقِ احتياجٍ لديه “الجنس”، فلا أحد يقدر على تسديد احتياجاته، ولا يكتفي بامرأة واحدة ولو كانت زوجته، ويظلّ مستمراً في البحثِ عن نساءٍ أُخريات في محاولةٍ منه لإشباع رغباته، التي لا تُشبع مطلقاً.

ما الحلُ أيّتها السّماء؟ لماذا ورّطتُ نفسي ولو إلكترونيّاً في مثلِ هذه المسألة، كيفَ عليّ أن أساعده وهو منفصل وجدانيّاً عن الحياة، ومنحصر خلف شاشةٍ إباحيّة صغيرة، ولا يستطيع العيش على سجيّة البشر والإنسانيّة، يبدو أنني بدأت الخوف منه، ولكن هناك شيء ما يقول لي: “راسليه”!

سألته: هل أنتَ راضٍ عن حياتك؟ فأجابني مسرعاً كعادتهِ: “بحبّ يلي عم اعمله، وبسّ خلِّص بنزعج، بكتئِب، وبخاف من الموت، في شي مسيطر عليّ”.

رحتُ أستذكرُ وأنا أقرأ ما كتَبه، أن أحد علامات إدمان الجنس، السّيطرة غير الطبيعيّة للسّلوك الجنسي على الإنسان، سواء في التّفكير أو التّصرفات، فلا يستطيع النّوم حتى إلا بعد أن يُشبع رغبته الجنسيّة، وهذا ما يجعله يمارس العادة السّريّة كثيراً، ولو كان متزوّجاً، وغالباً ما يؤدي إدمانه لانحرافاتٍ جنسيّة مختلفة الأنواع كالتّحرّشِ، وهذا يعني أننا أمام مصيبة اجتماعيّة جديدة قادمة.

قررتُ أن أحمي المجتمع منه، وأن أحميه من المجتمع وأُساعده، بعد اطّلاعي على دراسةِ الباحث “Batrick Carnea” التي أُجريت على 600 حالة إدمان للجنس، حيث تشير الدّراسة أن:
81 % من العيّنة تعرّضوا لانتهاكات جنسيّة.
73 % منها تعرّضوا لانتهاكاتٍ جسديّة.
90 % منها تعرّضوا لانتهاكاتٍ على الصّعيدين الوجداني والنّفسي.
كما تُظهر الدّراسة وجود نسبة لم تتعرّض لأي انتهاك نفسي أو جسدي وتدمن الجنس، فأحياناً يكون إدمان الجنس بسبب المجتمع المنغلق، والذي يتعامل مع أمر الجنس باعتباره منطقة محظورة وخطرة، ولذلك يكون الشّغف في اكتشافه والاستمتاع به أكثر من الطّبيعي، بعيداً عن الأعين.

مرّت أيامٌ عديدة سافرت خلالها إلى منطقةٍ أُخرى من أجلِ إنهاء بعض أعمالي، وبقيت القصّة تدورُ في رأسي على أملِ الخروجِ منها بنتيجةٍ مجدية، ولكن، جاءت تلك الرسالة منه: “أنا شخص سيء، ما بستاهل حدا يحبّني، بس يمكن اكتشفت هالشي متأخر، بعد ما خسرت حياتي، أخلاقي، أنا خسرت كلّ شي، حتى حالي، سامحيني”.

أُسامحه؟! لكن على ماذا أسامحه؟ فأنا أتعاملُ معه كشخصٍ مريضٍ يجب مساعدته، أو موضوع اجتماعي سأكتب عنه في زاوية الجريدة خلال الأسبوع القادم، وشعرت بالإرهاق على الفور، وكان عليّ أن أرتاح استعداداً لليوم الجديد، فاستسلمتُ للنوم.

الثانية ليلاً، رنّ الهاتف، وكأنه إنذار بخطرٍ مفجع، وبعد تلقي المكالمة علمتُ أن صديقي قد مات في حادثِ سيارة! يا الله ما هذه الليلة! كيف مات؟؟

أغلقتُ سماعة الهاتف، ومرّت السّاعات بسرعة، فخرجتُ لوداعه صباح اليوم التّالي، ولأخبره أنني الوحيدة التي أعرف أن هذا الحادث مُدبّر، والمدبِّر هو نفسه الميّت، حتى الشّرطة لم تكتشف هذا الشيء، لكن شعوري صدقَ بالفعل، إنه أحد أصدقائي!

دوّنته: سارة المقداد

تصميم: smart step

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *