أعترف لكم أنني أشعر بالانقباض عندما أرى علمنا الوطني ممزقاً في أي مكان فوق الأرض السورية. ويتضاعف انقباضي عندما يكون ذلك العلم مرفوعاً فوق صرح تاريخي كقلعة دمشق التي تلقب بالقلعة المنتصرة، لأنها عبر تاريخها الطويل لم يخرج منها أي جيش إلا وعاد منتصراً.

قبل نحو أسبوعين قمت بجولة في دمشق وقد استوقفتني حالة العلم المرفوع فوق القلعة، فقماشه ليس مهلهلاً وحائل الألوان وحسب، بل إن نصف العلم غير موجود! أي إنه علم سوري بنجمة خضراء واحدة، وهذا أمر له دلالات كثيرة، كلها لا تدعو للارتياح.

لا أحد يعرف على وجه الدقة متى استخدم العَلَم لأول مرة، لكن بعض المؤرخين يرجعون أصل الأعلام إلى مصر القديمة، فالمراكب المصرية التي كانت تبحر في النيل وتجوب السواحل القريبة، قبل أربعة آلاف عام، كانت تحمل علامات تدل على هويتها. كما عثر على رايات مماثلة في حضارات بلاد الشام وبلاد الرافدين، ويشير الدارسون إلى أن الفينيقيين ومن بعدهم اليونان استخدموا الأعلام لتبادل الإشارات والمعلومات في الأعمال البحرية، وللدلالة على مكان القائد.

وقد كانت القبيلة العربية في مرحلة ما قبل الإسلام تربط رايتها على رمح أحد فرسانها المقاتلين، فكان أهل اليمن يرفعون الرايات الصفراء والأعلام البيضاء، وكان أهل الحجاز يرفعون الأعلام الحمراء، وكانت لبعض القبائل أعلامها الخاصة. وقد ورد ذكر الرايات والأعلام في قصائد شعراء ما قبل الإسلام، يقول عمرو بن كلثوم:

أَبا هِندٍ فَلا تَعَجَل عَلَينا…. وَأَنظِرنا نُخَبِّركَ اليَقينا…بِأَنّا نورِدُ الراياتِ بيضاً

وَنُصدِرُهُنَّ حُمراً قَد رَوينا

وكان الرسول (ص) يعقد الرايات لأمراء سراياه عند إرسالها.

إلا أن الأعلام الوطنية بمعناها الحديث لم تظهر إلا في القرن السادس عشر. فمع بدء الغزوات الاستعمارية وقيام الأوروبيين بالإبحار خارج مياههم الإقليمية، اكتشفوا أن سفنهم بحاجة لما يميزها ويعرف عن هويتها عندما تكون خارج مياههم الإقليمية في أعالي البحار. ويرجح أن الفرنسيين والإسبان هم أول من رفعوا رايات ملوكهم فوق سفنهم، ثم قلدتهم بقية الدول.

ومع تنامي الوعي الوطني والفكر القومي اكتسبت الأعلام مكانة عاطفية لدى المواطنين خاصة بعد تحول مفهوم العلم إلى رمز للأمة بأجمعها وعنوان لسيادتها وكرامتها.

وقد تزايدت أهمية الأعلام في العصر الحديث، لدرجة أنه بات يوجد في العالم عِلْم مستقل يدعى عِلْمُ الأَعْلام (Vexillology)، يتمحور حول تاريخ الأعلام ورموزها وكل ما يتعلق بها، وقد استخدم هذا المصطلح للمرة الأولى في عام 1957 من قبل الأميركي ويتني سميث.

 وفي عام 1965 تشكل مجلس دولي لعِلم الرايات تلتئم جمعيته العامة مرة كل عامين. كما أسس ويتني سميث في عام 1961 مركزاً لأبحاث الرايات، وأصبح مديراً له. وفي عام 1969 تشكل الاتحاد الدولي لنقابات عِلْم الرايات وله مقران الأول في مدينة هيوستن، بولاية تكساس في الولايات المتحدة الأميركية، والثاني في لندن. ويضم الاتحاد خمساً وخمسين من الجمعيات والمعاهد المتخصصة بدراسة عِلم الرايات من مختلف أنحاء العالم، ويهدف الاتحاد، بحسب نظامه الداخلي إلى «إنشاء وتطوير هيئة للمعرفة بالرايات وأنواعها وأشكالها ووظائفها، بالإضافة إلى النظريات العلمية والمبادئ المبنية على تلك المعرفة».

في الختام أود أن أشير إلى أن صناعة الأعلام عندنا لا تستند إلى معايير دقيقة من حيث نوع القماش ومقاييس العَلم وتفاصيل صنعه، وأرى أنه لابد من وضع معايير صارمة لهذا الأمر، كما أرى أن العَلم هو مسؤولية الجهة التي تقوم برفعه، فعندما يتعرض العَلم للتشويه يجب على الجهة التي رفعته إما أن تستبدله أو تزيله. ولا بأس من فرض غرامات وعقوبات بحق من لا يلتزمون بهذا الأمر، فعَلَمنا ليس مجرد قطعة من القماش، بل هو رمز لكل ما هو جميل ونبيل في سورية.

دونها حسن م. يوسف لصحيفة الوطن.

هل تعتبرون العلم من الثوابت الوطنية الواجب الحفاظ عليها أم لا ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *